تربعت بينانس (Binance) على عرش منصات تداول العملات المشفرة في السنوات الأخيرة. فهي لم تكن فقط أكبر منصة تداول في العالم، بل سبقت منافسيها بمراحل، حيث استحوذت الشركة إلى وقت قريب على 60% من حصة السوق للتداول الفوري بالعملات الرقمية. وتراجعت هذه النسبة إلى 40% بعدما عززت السلطات الأميركية الضغط على الشركة منذ شهر حزيران الفائت.
واجهت بينانس هذا الأسبوع قضية جنائية أمام وزارة العدل الأميركية وهيئة الأوراق المالية (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC)، لانتهاكها قوانين مكافحة غسل الأموال وخرق قانون العقوبات الأميركي.
استقالة المدير التنفيذي والتسوية
توصلت بينانس إلى اتفاق مع وزارة العدل الأميركية لإنهاء تحقيق استمر لسنوات، والذي تضمن دفع غرامة ضخمة تبلغ 4.3 مليارات دولار واستقالة تشانغبينغ تشاو، الملقب بـCZ من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة. كما اعترف تشاو بالذنب بتهمة انتهاك قانون مكافحة غسل الأموال الأميركي، ووافق على دفع غرامة جنائية قدرها 50 مليون دولار وغرامة مدنية قدرها 150 مليون دولار. وفقاً لمصادر مطلعة على القضية، يمكن أن يحكم على تشاو بالسجن لمدة 10 سنوات، لكن من المرجح أن تكون عقوبته الفعلية أقل من ذلك. “لقد ارتكبت أخطاء ويجب أن أتحمل المسؤولية”، نشر تشاو على منصة X (تويتر).
في تفاصيل القضية
قالت وزارة الخزانة الأميركية إن بينانس سمحت بإجراء معاملات لجماعات مثل حماس وتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة. وأظهرت دعوى قضائية من لجنة تداول السلع الآجلة (CFTC)، أن موظفي بينانس كانوا يمزحون بشأن المعاملات التي تخص حماس.
وجاء في بيان وزارة العدل، سمحت بينانس بمعاملات مالية مرتبطة بإساءة معاملة الأطفال جنسياً والمخدرات وتمويل الإرهاب. وعلاوة على ذلك، لم تمتلك بينانس أي بروتوكولات للإبلاغ عن المعاملات المشبوهة والحد من مخاطر غسل الأموال. لقد كان الموظفون على علم تام بأن مثل هذا الإغفال سيدعو المجرمين إلى المنصة. كما وصفت الشركة بأنها “متهورة” و”متهاونة” و”متخاذلة” في تطبيق القوانين.
ووفقاً لوثائق المحكمة جاء: “هل غسل أموال المخدرات صعب جداً في هذه الأيام. تعال إلى بينانس لدينا كعكة لك”. كان هذا أحد إعلانات بينانس يظهر فيه تشاو بنفسه!
حدود الولايات المتحدة
على الرغم من أن بينانس ليست شركة أميركية، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تطبق فيها السلطات القضائية الأميركية القانون الأميركي على منصة لتداول العملات المشفرة من خارج الولايات المتحدة. الأمر نفسه حدث مع منصة FTX سيئة السمعة. ولكن لم تكن هناك شركة تجسد أسطورة التداول “بلا حدود” أكثر من بينانس. لفترة طويلة لم يبدُ أن أحداً يعرف أين تقع، كانت فكرة المقر الرئيسي مخالفة لهوية بينانس بالكامل. هوية مبنية على مبدأ العملات الرقمية نفسه: “النقد اللامركزي”.
لكن بينانس وغيرها من منصات التداول أرادت الدخول إلى سوق الولايات المتحدة. ولكي تفعل ذلك، أنشأت منصة أخرى، شقيقة صغرى تدعى “Binance US” والتي تمتثل بدورها للقوانين والأوراق التنظيمية الأميركية. لكن العديد من الأميركيين أرادوا استعمال المنصة الأساسية، وسمحت لهم بينانس بذلك باعتبارهم غير أميركيين، وكان هذا مدخلاً للتحقيق الذي تطوّر باتجاه غسل الأموال وخرق العقوبات.
من جهته طلب تشاو المدير التنفيذي السابق لبينانس، والذي يقيم في الإمارات العربية المتحدة، طلب من القاضي تيسا غورمان في محكمة سياتل الاتحادية السماح له بالعودة إلى بلده قبل الحكم عليه في 14 كانون أول المقبل. قال تشاو في طلبه إنه يريد العودة إلى الإمارات لقضاء بعض الوقت مع عائلته والاهتمام بصحته. “أنا مستعد للعودة إلى الولايات المتحدة في أي وقت تطلبه المحكمة، وأنا ملتزم بالامتثال للقانون الأميركي والتعاون مع السلطات الأميركية، ولا أنوي التخلي على المواطنة الكندية”، كتب تشاو في طلبه.
هل “بينانس” آمنة اليوم؟
خرجت من بينانس أموال تزيد عن مليار دولار في اليوم الذي تلا إستقالة تشاو كما ورد على الموقع نفسه. لكن لدى الشركة أصول تزيد عن 65 مليار دولار على المنصة، مما يعني أن بينانس على الأرجح قوية بما يكفي لتحمل اندفاع مفاجئ للمستثمرين بعيداً عن المنصة. وفي حين أن السحب في ارتفاع، لم يصنف بعد ما يحدث على أنه “هجرة جماعية” للأموال من المنصة. “يبدو دفع 4.3 مليارات دولار غرامة مؤلماً، لكنه ليس كارثياً بالنسبة لبينانس”، قالت ييشا ياداف، أستاذة القانون في جامعة فاندربيلت.
من جهتها، قالت بينانس في بيان يوم الثلاثاء الماضي: “على الرغم من أن بينانس ليست مثالية، إلا أنها سعت إلى حماية أصول المستخدمين منذ أيامها الأولى كشركة ناشئة وبذلت جهوداً هائلة للاستثمار في الأمن”. وهذا صحيح، فمقارنةً بـFTX التي نهب مديرها التنفيذي سام بنكمان فريد أموال المستثمرين في منصته، يبدو أن “جريمة” بينانس متصلة بشكل وثيق بالحرب الدائرة على غزة واستفادة حماس من التحويلات على المنصة.
يبقى أخيراً أن نوضح بأن منصات التداول هي للتداول، وأن استعمالها كمحفظة للعملات الرقمية قد يعرض هذه الأصول للخطر. هناك عدة وسائل أكثر أماناً لتخزين العملات الرقمية بدلاً من تركها على منصات التداول. ففي عالم الكريبتو ما لا تعرفه قد يعرضك دائماً للخطر.