يسعي زعماء حركة حماس “المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى” لاستغلال الهدنة مع إسرائيل، للتحضير لمرحلة جديدة من الحرب التي قد تستمر لأشهر، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“.
وبعد هجوم السابع من أكتوبر، حددت إسرائيل أهداف حربها بأنها الإطاحة بحماس من السلطة، وقتل قيادتها، وتحرير المختطفين الإسرائيليين في غزة، وإنهاء أي تهديد أمني من القطاع.
أهداف حماس
وقال محللون عسكريون لـ”وول ستريت جورنال”، إن الهدنة التي تستمر أربعة أيام تمنح حماس الوقت للتحضير لمرحلة جديدة من الحرب التي قد تستمر لأشهر، بهدف تقليص زخم الهجوم الإسرائيلي وخلق ضغوط دولية لإنهاء الصراع دون تحقيق أهدافه.
وقال رئيس الأبحاث السابق في قسم المخابرات العسكرية الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، إن الشيء الأكثر أهمية الآن للحركة هو ضمان بقاء حماس على قيد الحياة.
وأضاف أن الحركة تأمل أن تتمكن من إطلاق سراح الرهائن تدريجيا، وتحويل “فكرة هزيمة حماس برمتها إلى شيء لن يحدث أبدا”.
وتقول إسرائيل إن وقف القتال لن يردع الجيش الإسرائيلي عن تدمير قدرة حماس على شن هجمات ضد إسرائيل.
وعلى جانب آخر، يعتقد قادة حماس بالفعل أنهم “حققوا نصرا كبيرا بهجمات 7 أكتوبر من خلال توجيه ضربة استخباراتية وعسكرية لإسرائيل ومن خلال الحفاظ على كبار قادتها في مأمن من الرد الإسرائيلي”.
وتتكون قيادة حماس من حوالي 15 عضوا، يتمركزون عادة في غزة والدوحة وبيروت، ويتخذون قراراتهم على أساس الإجماع.
لكن استراتيجية الحرب التي تنتهجها الحركة أصبحت الآن محصورة بشكل وثيق داخل غزة وربما تكون غير معروفة حتى بالنسبة لقيادة حماس السياسية في المنفى، الأمر الذي يجعل من الصعب التنبؤ بتحركاتها التالية، حسبما تشير الصحيفة.
وتعتقد إسرائيل أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، يدير العمليات مع مجموعة متشددة، من المحتمل أن تشمل رئيس الذراع المسلحة، محمد ضيف، وعدد قليل من كبار القادة الآخرين.
ويعتبر السنوار الشخصية الأبرز التي حملتها إسرائيل مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بأنه “رجل ميت يمشي”، قاصدا الهدف المتعلق بقتله.
ويعمل السنوار على تحقيق أحد أهدافه الرئيسية من شن هجمات 7 أكتوبر، وهو تأمين إطلاق سراح سجناء فلسطينيين.
ويقول محللون إن إطلاق سراح المعتقلين هو “أمر شخصي” بالنسبة للسنوار، وهو سجين سابق.
تمديد الهدنة
توصلت قطر إلى جانب مصر والولايات المتحدة إلى اتفاق الهدنة لأربعة أيام قابلة للتمديد والتي تنص على تبادل 50 رهينة محتجزين في غزة بـ150 معتقلا فلسطينيا لدى إسرائيل.
والجمعة، أطلقت حماس، سراح 24 شخصا، من بينهم 13 امرأة وطفلا إسرائيليا، و10 أشخاص من تايلاند وفلبيني واحد، في حين أفرجت إسرائيل عن 39 من الفلسطينيين من سجونها.
وبموجب الاتفاق، وافقت إسرائيل على إضافة يوم إضافي لوقف إطلاق النار مقابل كل دفعة إضافية مكونة من 10 رهائن من النساء أو الأطفال يتم إطلاق سراحهم بالإضافة إلى الخمسين الأصليين المتفق عليهم، حسبما تشير “وول ستريت جورنال”.
لكن مسؤولين إسرائيليين يقولون إن حماس وآخرين في غزة يحتجزون ما يصل إلى 100 امرأة وطفل كرهائن.
وهذا يعني أن حماس يمكنها تمديد وقف إطلاق النار لمدة تصل إلى تسعة أيام وفقا للاتفاق الحالي.
ويرى محللون أن “السنوار سوف يسعى إلى استغلال فترة التوقف واحتمال إطلاق سراح الرهائن في المستقبل لإطالة أمد وقف إطلاق النار إلى ما بعد الأيام الأربعة، وإطلاق سراح فلسطينيين مسجونين بتهم أكثر خطورة من أولئك الذين تم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى”.
وفي تصريحات سابقة لموقع “الحرة“، قال المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، إن السنوار قد يقول إنه “لم يعثر على كافة المختطفين”، لأنهم موجودين لدى فصائل فلسطينية مختلفة، بهدف “إعادة تنظيم صفوف حماس”.
وأكد نيسان أن السنوار يريد وقف طيران الطائرات المسيرة في سماء غزة والتي تجلب الكثير من “المعلومات الاستخباراتية” للجيش الإسرائيلي، بهدف استغلال ذلك لاحقا.
وفي سياق متصل، قال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، لموقع “الحرة”، إن حماس سوف تستغل الهدنة المرتقبة للاستعداد لمواجهة الهجوم الإسرائيلي والتصدي له، وللعمل على “تصوير حجم الدمار الذي لحق بالقطاع”، والترويج لذلك إعلاميا في مواجهة الزخم الدولي الذي يؤكد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
ويعتقد أن الحركة تعول على الصفقة والهدنة لأنها قد تقود لـ”وقف المعارك” في قطاع غزة، لأن استمرار المعارك “يشكل خطرا وجوديا” على عناصر الحركة التي تتكبد “خسائر كبيرة وتتعرض لضربات قاسية”.
ويشير شتيرن إلى أن حماس تسعى لـ”وقف المعارك، والتفاوض على صفقات إضافية ومراحل أخرى من تبادل الأسرى”، بهدف “الوصول لبر الأمان”.
وتقدر إسرائيل أن حماس كان لديها نحو 30 ألف مقاتل في بداية الصراع.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير إن الجيش استهدف قادة حماس في القتال الأخير في شمال غزة لتعطيل قدرة الجماعة على توجيه المقاتلين، وفق “وول ستريت جورنال”.
وليس لدى الجيش الإسرائيلي تقدير محدد للأضرار التي لحقت بجيش حماس، لكنه يعتقد أنه قتل ما بين 3000 إلى 10000 مقاتل وأضعف قدرة الجماعة على شن هجمات على الجنود الإسرائيليين.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن السنوار موجود الآن في شبكة أنفاق حماس في الجزء الجنوبي من غزة مع كبار القادة والرهائن، وفقا لما ذكره المحلل الإسرائيلي بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إيهود يعاري.
القتال بجنوب غزة
في حين أن الهدنة ستمنح حماس الفرصة لإعادة تجميع صفوفها، فمن المتوقع أن تشن إسرائيل هجوما كبيرا على مدينة السنوار، خان يونس، على أمل عزل الشمال والجنوب وإجبار الحركة إما على الخروج من الأنفاق للقتال أو الاستسلام.
وقال يعاري: “بالنسبة لحماس، إذا توقفت المعركة قبل مهاجمة خان يونس، فإنها ستظل واقفة على أقدامها”.
وأكد الجنرال الإسرائيلي السابق ومستشار الأمن القومي، جيورا إيلاند، أن القتال في الجنوب سيكون أكثر صعوبة من الشمال بسبب وجود النازحين الفلسطينيين، الأمر الذي قد يعمق الأزمة الإنسانية ويزيد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب.
وأشار إلى أن شبكة أنفاق حماس ووجود رهائن هناك يزيدان من تعقيد العملية في الجنوب.
وأضاف: “طالما أنهم يستطيعون استخدام هذه الأنفاق كملاذ للمقاتلين، فمن الصعب جدا تحقيق النصر هناك”.
القضاء على حماس؟
تشير “وول ستريت جورنال” إلى أن حرمان حماس من الوقود والماء والغذاء قد يجبر المقاتلين على الخروج من الأنفاق.
لكن السنوار يستخدم الرهائن المتبقين كوسيلة ضغط للتفاوض على خروج آمن له ولقادة آخرين مثل الضيف من غزة، أو هدنة أخرى.
وعلى جانب آخر، يقول محللين فلسطينيين، إن من غير المرجح أن تغادر حماس نظرا لأن مقاتليها من غزة.
ويعتقد بعض المسؤولين في الشرق الأوسط أن إسرائيل ستواجه تمردا إذا سعت إلى تجريد غزة من السلاح والاحتفاظ بقواتها هناك.
لكن هناك قلة من الإسرائيليين والفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل سوف تكون قادرة على تدمير حماس كمنظمة عسكرية وحركة سياسية.
ويقول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إنهم “يعرفون أنه لا يمكن القضاء على أيديولوجية حماس”، لكنهم يرون أن من الممكن “القضاء على قدرة الحركة على شن الحرب وحكم غزة”.
وتشير المحللة البارزة في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية، ميراف زونسزين، إلى أن “إسرائيل قد تواجه الاختيار بين قتل كبار قادة حماس والتفاوض من أجل إطلاق سراح الرهائن المتبقين”.
وقالت: “في النهاية، سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستعيد جميع الرهائن أو ستواجه نوعا من المفاوضات”، مع السنوار والضيف.
وأضافت: “نتنياهو يأمل حقا أن يتمكن من اغتيالهم (قادة الحركة) قبل أن يحدث ذلك، ولكن في نهاية المطاف، لن تكون إسرائيل قادرة على (تدمير حماس) واستعادة جميع الرهائن”.
هدنة مرتقبة.. هل تمثل فرصة لـ”التقاط الأنفاس” في غزة؟
مع تزايد التصريحات والمؤشرات حول “صفقة مرتقبة وهدنة مؤقتة” في قطاع غزة، يرصد محللون إسرائيليون وفلسطينيون تأثير تلك الصفقة على مسار المعارك بين إسرائيل وحركة حماس، والتي يرون فيها “فرصة لالتقاط الأنفاس” قبل استكمال متوقع للعمليات الميدانية.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 قتيلا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب السلطات التابعة لحماس.