Home استثمارات مالية جريدة الرياض | إدارة الاستثمار التعليمي والثقافي في زمن الفوكا

جريدة الرياض | إدارة الاستثمار التعليمي والثقافي في زمن الفوكا

0
جريدة الرياض | إدارة الاستثمار التعليمي والثقافي في زمن الفوكا

إدارة الاستثمار التعليمي والثقافي في زمن الفوكا

سناء الغامدي*

تشير مفردة فوكا VUCA إلى أربع كلمات هن عناصر الفوكا الأساسي: volatile , uncertain, complex, ambiguous، التقلب وعدم اليقين والغموض والتعقيد، مما يخلق بيئات مهددة لنمو الاستثمارات بشكل عام واستمرارها. فكثيراً ما نسمع في الآونة الأخيرة عن سلسلة من الإغلاقات الذاتية لمؤسسات تعليمية عديدة كمدارس ومعاهد وغيرها، أو اقتصارها على أقسامٍ أو مبانٍ محددة وإلغاء الأخرى. ومع أنها أسماء استثمارية كبيرة في السوق التعليمي، ومن البديهي أن لديها من السياسات ما يساعدها على النمو بشكل مستدام على المدى الطويل محصنةً من أغلب النكسات، إلا أن ذلك كله لم يكن مجدياً أمام الوضع الجديد “الفوكا” الوضع الذي يقاومها لاستثمار التعليمي محاولاً الاستقرار والاستمرار والنمو في بيئة أشد ما تكون مؤزِّمةً لقدراته ومقلصةً لحجمه، وكأنه يقف على حافة النصف الثاني من رقعة الشطرنج كما قال ماكافي. وفي أبسط القول وبديهيته فإننا يمكن أن ندير استثمارنا ونوجهه في اتجاهات تخفف من آثار الفوكا وهجماتها عن طريق استخدام نفس أدوات الفوكا وقلبها لصالحنا. غير أن الاستثمار في التعليم والثقافة مختلف قليلاً، لأن تقويم العمليات هنا يستند إلى علم القيم والتحليل الفني ويُقاس أيضاً بالإنجازات العلمية والفكرية والفنية. فحين يشيع عنصر (التقلب) volatile في بيئة ما فإن ملاحظاته في النواحي المالية أوضح، حيث يرتفع الصرف لزيادة غير محسوبة في استقدام المعلمين مثلاً ذلك العام أو يقل الدخل بتعثر عدد كبير من الطلبة في السداد، أو دخول منافسين جدد في المجال كالمستثمر الأجنبي في التعليم أو تقلبات في القرارات أو الأوضاع الاقتصادية أو

السياسية مما يزيد من عدد الطلبة المقبولين من جنسيات محددة ويصبح الاستثمار هنا عابراً للحدود، فكل ما سبق يسمى بالفوضى الحتمية والتي ينتج عنها عواقب نحتاج إلى ضبطها في العمق التنظيمي والذي يمكننا الوصول إليه في المؤسسات التعليمية الصغيرة في رأيي بشكل أسرع.

وبالتأمل في عنصر الفوكا السابق (التقلب) فإننا يمكن أن نتعامل معه بوضع أهداف مرنة وغير دقيقة، وتهيئة أدوات المؤسسة وممكناتها لقبول التغيرات والتكيف معها عبر برامج عديدة كمثلث تناقض المعتقدات TBP، ونظام Syst ورسم السيناريوهات العديدة، والركود قليلاً، وتكريس الموارد للاستعداد، كل ذلك ضروري للنجاة من عواقب هذا التقلب. أما بالحديث عن عنصر الفوكا الثاني (عدم اليقين) uncertain فإننا سنذكر هنا صعوبة التوقع لأي شيء وفي أي وقت، كأن نتعرض إلى أهواء شخصية غير متوقعة من شركائنا في إدارة المؤسسة التعليمية كالمخططين والمقيمين والمشرفين التعليميين.. إلخ، أو قد نصل إلى نقص القناعة في بعض القرارات والمشاريع مع استنزافها للموارد، أو نقص المعلومات حول الموارد أو العمليات والمشاريع. ويمكن التعامل هنا مع (عدم اليقين) بالتوقف عن إصدار القرارات، أو إنشاء وحدات لتوفير المعلومات الدقيقة وزيادة مستويات الوعي الذاتي والاطلاع.

وبالنسبة لعنصر (الغموض) ambiguous فإنه يحدث حين تكون السببية غير واضحة أمامنا فنواجه المجهول الغامض، خاصة في إدارة الاستثمار التعليمي الذي لا يستند غالباً في صنع القرار إلى إدراك مادي فقط، فإن صاحب ذلك غموض فستتفاقم المشكلة ولن تكون القرارات صحيحة البتة، وستحدث على إثرها فجوة بين الاستثمار والواقع مما يسبب الغموض، فنقع في فخ التخبط، والعمل وفق التكهنات، ونهايةً تعجز المؤسسة وتعلن فشلها.

لقد قام الفائز بجائزة نوبل دانيال كانيمان بإيجاد نظامين نستخدمهما لمواجهة الغموض، الأول: البديهية، والنظام الثاني: العاكسة. فالنظام الأول (البديهية) يساعدك على تكوين السياق مع الذاكرة الترابطية فينتج عنه تفسير متماسك، أي كأننا نقوم بإخفاء الغموض والشك بطريقة آلية جيدة، أما النظام الثاني (العاكسة) فيتحكم في الأفكار والأفعال المقترحة من النظام الأول.

وبالحديث عن عنصر الفوكا الرابع (التعقيد) complex فإنه يضع استثمارنا أمام بيئة متغيرات معقدة وأنظمة معقدة مكونة من عدد كبير من الأجزاء المترابطة للغاية والمتفاعلة مع بعضها البعض، كما قد تتوفر بعض المعلومات أو يمكن توقعها، ولكن حجمها أو طبيعتها قد يكون من الصعب معالجتها.

وقد يكون من أهم بيئات الفوكا تعقيداً والتي تواجهها المؤسسات التعليمية الخاصة هي تكتلات أولياء الأمور حيث تختلف توجهاتهم، ويصعب تحديد آلية معينة لضبط المدخلات في تلك البيئة نظراً للبون الشاسع في مستوياتهم التعليمية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية. ومع ذلك التنوع والاختلاف إلا أن الترابط بينهم قوي جداً وقد يشكلون أقوى حلقة مؤثرة ومترابطة وغير مفهومة في الوقت ذاته. وفي هذه الحالة تكون الشفافية حلا لمزيد من المكاشفات لهذا التعقيد،

كما أن السيطرة عليه بنفس عناصره وأدواته أجدى من تلقي صفعاته من بعيد، فالتفكير مثلا بكيفيات يمكن أن يدار بها أولياء الأمور والمبادرة بنشر الأفكار وصناعة الأحزاب والتصنيفات وفق توجه المؤسسة أفضل من انتظار سيطرة هذا التعقيد على توجه وقرارات المؤسسة. إن عبقرية الاستثمار التعليمي والثقافي تتمثل في التفكير الاستراتيجي الذي يشخّص الاستشراف ويولّد الكثير من الخيارات التي تحفظ المؤسسات من اضطرابات عناصر الفوكا.

*باحثة دكتوراة في فلسفة التعليم

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here